شبكة النعيم الثقافية - 2004/07/15 - [الزيارات : 8366]
من الأمور المهمة في الشريعة الإسلامية والتي تعتبرها المسألة الأولى في طرح الأنبياء والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى هي قضية الحوار، فهو ذو أهمية بالغة في الإسلام حيث تنجلي الكثير من الأمور الغامضة أو العالقة لدى أي طرف أو جهة، هناك الكثير من الإشتباهات والاعتقادات الخاطئة التي يتصورها أي طرف على آخر فإنها لا ترتفع إلا من خلال الحوار، بل أعتقد أن الحوار ذو أهمية بالغة للتقارب الفكري والسياسي والاجتماعي وحتى تقارب الأديان والمذاهب، فما يسمى بصراع الحضارات أو حوار الحضارات نابع من الأهمية المكنونة في قضية الحوار وبالتالي ستكون الكفة الراجحة هي الحوار لا الصراع. لا يوجد هناك في قاموس الإسلام سد باب الحوار بل الحوار مفتوح دائما للباحثين عن الحقيقة أو من يريدون إيصال الحقيقة إلى الطرف الآخر أو لأي سبب كان. غاية الأمر أن هناك بعض المفردات الأساسية في قضية الحوار يجب أن نقف عندها ولو بشكل مختصر: المفردة الأولى: الوصول إلى الحق والحقيقة بحيث يكون الدافع الأساسي للحوار هو الوصول إلى الحقيقة التي يجب إتباعها حتى لو ظهرت على يد الخصم، وبالتالي تأتي أهمية الإذعان للحق والحقيقة بعيدا عن التعصب والغرور والتكبر على الحق. وللأسف الكبير إن أغلب حواراتنا لا تنطلق من منطلق الوصول إلى الحقيقة وإنما تنطلق من خلال التعصب إلى رأيه وكونه صاحب الحق ولن يتنازل عنه مهما كانت نتيجة الحوار، من هنا فإن أكثر حواراتنا مكتوب عليها بالفشل إلا ما شذ وندر لاسيما في الحوار المفتوح وأمام الناس من خلال الحديث أو المقال لأن الدافع في هذه الحوارات هو التغلب على الطرف المقابل بأي طريقة كانت لا الوصول إلى الحقيقة.
المفردة الثانية: الحوار بالتي هي أحسن، وهي من الركائز الأساسية في الحوار الإسلامي وقد أكد الإسلام هذه الروح الأخلاقية في أثناء الحوار من خلال الحديث المباشر أو الكتابة، قال تعالى " أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " أي حاورهم وناقشهم من خلال التحلي بالصفات الأخلاقية الحسنة من الالتزام بالصدق والأمانة في الحديث بعيدا عن الصفات السيئة كالسخرية والسب والشماتة والاستهزاء والاستعلاء والنفاق وغيرها لأن هذه الأمور لا توصل المحاور إلى النتيجة التي يتوخاها من خلال الحوار، لذلك فان الحوار الهادىء هو الذي يجعل الفكرة تستقر والكلمة تسمع والنفس تستكين، من هنا نجد القرآن الكريم قد ارتكز على هذا المبدأ في دعوته للإسلام بعيدا عن التشنج والعصبية، الله يخاطب النبي موسى (ع) في فرعون حيث قال تعالى }اذهبا إلى فرعون إنه طغى{ حيث أن هذا الطاغية يجب أن يواجه لكن بالأسلوب الهادىء الذي لا يثير الطرف المقابل فقال تعالى } فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى{
المفردة الثالثة: احترام الطرف المقابل مع مراعاة شأنه الاجتماعي ومركزه العلمي، ليس معنى ذلك عدم الحوار معهم في مختلف القضايا والأمور بل يجب في أثناء الحوار ملاحظة المستوى العلمي ومركزه الاجتماعي لاسيما إذا كان الطرف المقابل أقل مستوىً من الآخر فالتلميذ يجب أن يحترم الأستاذ في الحوار والجاهل يجب أن يحترم العالم والعادي يجب أن يحترم رجل الدين والمجتمع يجب أن يحترموا الفقهاء والمراجع العظام وهكذا، فهي قضية بديهية عقلية إلا من حاول أن يستعلي على مثل هذه القضايا الواضحة عند غير الإسلاميين فضلا عن الرجل الإسلامي لاسيما المتدين.
هناك العديد من المفردات التي يجب مراعاتها في الحوار بشكل عام لاسيما الحوار في داخل الصف الإسلامي، إننا بحاجة ماسة إلى تأصيل هذه الروح الإسلامية في حواراتنا ـ حديثا وكتابة ـ مع بعضنا البعض. السؤال الكبير الذي يطرح نفسه إذا افتقد الحوار ـ حديثا أو كتابة ـ إلى هذه المفردات الأساسية من قبل بعض الأفراد هنا وهناك فهل من الفائدة أو الصلاح أن يدخل أحد معه في حوار والحال أنه لا يريد أن يصل إلى الحقيقة ولا حتى معرفتها ولا يحاور بعيدا عن الشتم والتحقير والجرح والتصغير للطرف المقابل وليس لديه ألف باء الحوار أصلا ؟ قطعا مثل هذا الحوار فاشل وعقيم والدخول فيه مضيعة للوقت، ولذا ـ كمثال ـ لما كان أمير المؤمنين ( ع ) في خطاب له بمسجد الكوفة واعترض عليه ابن الأشعث قال له الإمام اسكت ما يدريك ما لك وما عليك. أتمنى من كل قلبي لمن يريد أن يطرح قضية من هنا وكلمة من هناك أن يراعي هذه المفردات فضلا عن التقوى والصدق والأمانة في كل ما يقوله أو يكتبهreplique tag heuer
.